هواة العلوم
المواضيع الأخيرة
شــــــريط الاخــــــبار
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 43 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 43 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 70 بتاريخ الإثنين يوليو 31, 2017 4:45 pm
بحـث
حضارة الكتابة
صفحة 1 من اصل 1
حضارة الكتابة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن المرء وهو يدلف عبر بوابة القرن الواحد والعشرين ، حين يتأمل مسيرة الخط وتاريخ الكتابة منذ بداياتها الأولى وحتى وقتنا المعاصر يكاد يجزم بأنها بلغت شأناً عظيماً ، وأنها واكبت متغيرات الزمن، ورافقت حياة الإنسان وحركة تطوره في مجالات شؤونه المادية والمعنوية . ليس ذلك فحسب بل إن إطلالة على نشأة الكتابة وسيرة تطورها في العصور اللاحقة تتيح فرصة للتعرف على التقاء الثقافات العالمية وتأثرها بعضها البعض من خلال نهلها من معين حضاري مشترك ، كان موطنه الأصلي منطقة الشرق الأوسط ثم أنتشر منها ليضيء بنوره المشرق أرجاء المعمورة.
وعلى الرغم من أن الاهتمام بالكتابة على اعتبارها ركيزة أساسية في مسيرة التطور الحضاري للإنسانية لا يزال على أشده، فإن ثمة أسئلة تتبادر إلى الذهن من مثل : متى بدأت الكتابة ، وأين ، وكيف كانت ، وكيف أضحت ؟ .
ولا ريب في أن الإجابة على مثل هذه التساؤلات تقودنا إلى البحث في الجذور الذي يتطلب العودة إلى أعماق التاريخ ، حيث البدايات الأولى لتطور الحضارة البشرية في التاريخ الإنساني .
قبل ما يزيد على خمسة آلاف سنة خلت تبلورت في الشرق الأوسط نتائج تجارب طويلة من محاولات الإنسان الأولى للكتابة، ومن هنا واعترافاً بعظيم شأن هذا الاختراع في مسير الحضارة الإنسانية أضحى الدارسون يفرقون بين حقبتين من حقب التاريخ البشري، الأولى مرحلة ما قبل الكتابة، أو بعبارة أخرى مرحلة الحضارة الشفوية، وهي ما يطلق عليها أيضا فترة ما قبل التاريخ. والثانية هي مرحلة الكتابة، أو حضارة الكتابة، وتسمى أيضا مرحلة التاريخ .
ظهرت في بلاد ما بين النهرين فيما بين أعوام 3500-3000قبل الميلاد البدايات الأولى للكتابة، وبعد ذلك بقليل تجلت سمات واضحة للتدوين في وادي النيل، ثم ما لبث عقب ذلك أن تطورت أساليب الكتابة في بلاد الشام والجزيرة العربية، وتبلورت أسسها التي أضحت أصلا لأغلب اللغات العالمية المعروفة في حاضرنا المعاصر. وفي غضون ذلك تجري الآن مناقشات مطردة حول ما إذا كانت الكتابة بدأت في مراكز الشرق القديم الحضارية بمعزل عن بعضها بعضا، أم نشأت في مصر وبلاد الشام والجزيرة العربية بتأثير من أسلوب الكتابة في بلاد الرافدين . ومهما يكن من أمر فإن أساليب الكتابة في المراكز الحضارية آنفة الذكر إن هي استفادت من تجربة الكتابة في بلاد الرافدين فإنها - تمتلك مقومات مميزة وتجعلها سباقة إلى الإبداع وتطوير أسلوب الكتابة والسير بها إلى الإختزال والسهولة التي كانت تفرضها متطلبات تلك الأزمة السحيقة.
وهكذا فإن نشأة الكتابة وابتكار رموزها لم تكن وليدة لحظة محدودة ، بل سبق إلى ذلك تجارب وتمارين عديدة أملتها ظروف الحياة ومتطلباتها آنذاك ، وسعياً من الإنسان في سبيل إيجاد وسيلة تعينه على تنظيم حياته اليومية وتعاملاته الاقتصادية المتزايدة، فإنه لم يجد بداً من ابتكار تلك الوسيلة، فكان أن تفتق ذهنه عن فكرة ذكية تمثلت باستخدام رموز صورية عديدة يدل رسمها على أسياء محدودة ومعلومة في لغاتهم ويستطيع من أوتى إلى ذلك سبيلان قراءتها والعودة إليها حينما يشاء وعلى هدي الاكتشافات الأثرية في المستوطنات الحضارية في بلاد الرافدين وبلاد الشام والنيل والجزيرة العربية يتضح أن الكتابة مرت بمرحلتين أساسيتين:
مرحلة ما قبل الكتابة.
مرحلة الأبجدية :
هي مرحلة البدايات الأولى للكتابة، ومن أهم خصائص الكتابة خلال هذه المرحلة أنها كتابة بدأت تصويرية، أي تصوير الأشياء المادية لتدل على المعاني المعنوية، وفي فترة لاحقة من تاريخ هذا النوع من الكتابة جردت الرموز الكتابية من السمة التصويرية وأصبحت كتابة رمزية، ذات أصوات مقطعية . ويمثل مرحلة ما قبل الأبجدية
الخط المسماري
في الجزء الجنوبي من بلاد الرافدين ، وتحديداً في مدينة أوروك ، أخترع السومريون في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد نظاماً للكتابة يعتمد في الأساس على الصورة ، أي تصوير الأشياء المادية لتدل على المعاني المعنوية، كأن يرسم الكاتب قرص الخبز للدلالة عليه، أو قرص الخبز وأمامه فم إنسان للدلالة على الأكل ، أو سنبلة القمح للدلالة على القمح والشعير .
وفي حوالي 2700-2800 قبل الميلاد حدث تطور على نظام الكتابة المسمارية فقدت على إثره الرموز سمتها التصويرية إلى سمة تجريدية، فلم تعد الصورة الواقعية هي الأساس في نقل المعاني وتوارثها بل ابتعدت عن شكلها التصويري إلى شكل رمزي مجرد من واقع الأشياء المراد كتابتها، وفي هذه الأثناء أيضا أصبحت الرموز المجردة تدل على أصوات محددة في اللغة السومرية ، وذات سمة مقطعية، أي أن يشترك في الرمز الواحد أكثر من صوت . وهذه المساعي الحثيثة لتطوير أسلوب الكتابة أتاحت في حوالي عام 2000قبل الميلاد اختزال الرموز المعبرة عن أصوات اللغة إلى حوالي 500 رمز، بعد أن كانت قبل ذلك تزيد على ألفي رمز تصويري . ونتيجة لاستخدام السومريون أسافين( مسامير) ذات رؤوس حادة لرسم رموز خطهم على ألواح من الطين الرطب، فقد اتخذت شكلاً يشابه المسامير، وهذا هو السبب في تسميته باسم الخط المسماري .
لم يقتصر استخدام الخط المسماري على السومريين وحدهم، ولكنه سرعان ما انتشر أداةً للتعبير عن لغات متعددة في أرجاء متفرقة من الشرق القديم ، فقد كتب به اللغة الأكدية بفرعيها البابلي والآشوري، كما كُتبت به اللغة الإبلاوية، والعيلامية والحثية.
وعلى الرغم من تلاشي الخط المسماري خلال النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد ، إلا أنه ظل يستخدم على نطاق ضيق في جنوب بلاد الرافدين حتى القرن الأول الميلادي .
الخط الهيروغليفي
تمكن سكان وادي النيل(مصر) في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد( 3100ق.م) من اختراع أسلوب آخر للكتابة يسمى الخط الهيروغليفي ، وهي كلمة يونانية أطلقها الإغريق سنة 300 قبل الميلاد على الكتابة المصرية، وتتكون من مقطعين الأول ( هيرو) ويفيد معنى "مقدس" ، والثاني (غليف) ويعني" حفر ونقش"، وعليه فالكلمة بمقطعيها تعني "النقش المقدس".
والخط الهيروغليفي مثله مثل الخط المسماري منقول عن البيئة، فهو يعتمد على تصوير الأشياء المادية لتعبر عن المعاني، فصورة الإنسان تعبر عن الأنسان، والحيوان عن الحيوان، وموجة الماء تعبر عن الماء نفسه. وتحتوي الكتابة الهيروغليفية على رموز تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
إن طريقة الكتابة التصويرية والمقطعية المتمثلة في الخط المسماري والهيروغليفي التي تتطلب الكتابة بهما إتقان مئات من الرموز لم تكن تواكب متطلبات العصور اللاحقة، لذلك لجأ الإنسان في مناطق متفرقة من الشرق الأوسط مستنيراً بتجارب طويلة إلى اختراع كتابة هجائية( ألفبائية) مختزلة يُمثل فيها كل رمز(حرف) صوتاً محدداً وقائماً بذاته. ويتمثل هذا النوع من الكتابة في الخطوط السامية الشمالية والجنوبية وفروعهما المختلفة، وكذا في الكتابة اليونانية واللاتينية وما تفرع منهما، وهي على النحو التالي :
الأبجدية الأوجاريتية
سميت الأبجدية الأوجاريتية نسبة إلى موطن اكتشافها في مدينة أوجاريت( رأس شمرة حالياً) في شمال سوريا، فقد تمكن سكان هذه المدينة في حوالي القرن الخامس عشر قبل الميلاد من اختراع نظام جديد للكتابة، يمثل أبجدية هجائية، أي أن يكون لكل صوت من أصوات اللغة رمز واحد فقط. وعلى هذا النحو استعار الأوجاريتيون رموز الخط المسماري، واستطاعوا أن يكتبوا لغتهم بثلاثين حرفاً أبجدياً ، يؤدي فيها كل حرف صوتاً محدداً من أصوات لغتهم.
الأبجدية السينائية
في حوالي القرن الرابع عشر قبل الميلاد تمكن مجموعة من الكنعانيين العاملين في مناجم الفيروز والنحاس في صحراء سيناء من ابتكار هجائية جديدية تعتمد على رموز(حروف) أغلبها مشتقة من الخط الهيروغليفي ( المصري القديم) ، حيث أضحى كل رمز من رموزها يؤدي صوتاً معيناً فصوت الألف له رمز خاص به، والباء له رمز قائم بذاته، وهكذا مع بقية الحروف حتى اكتملت أصوات لغتهم .
الخط الفينيقي
يتألف الخط الفينيقي من اثنين وعشرين حرفاً ساكناً، ويعود تاريخ أقدم شواهده إلى القرن العاشر قبل الميلاد. وقد انتشر في مستوطنات الشعب الفينيقي في لبنان وأجزاء من سوريا وفلسطين.
وتتميز الكتابة الفينيقية بأنها تكتب من اليمين إلى اليسار ، وتطرح حروف المد ( الواو، والياء،والألف ) من رسم كتابتها، كما يفصل بين كلمات نصوصها المبكرة بخط عمودي ، أو نقطتين مترادفتين.
الخط البوني
وهو فرع متطور من الخط الفينيقي، انتشر استخدامه في المستوطنات الفينيقية في شمال أفريقيا، وعثر على شواهد من نقوشه في تونس، وإسبانيا، وإيطاليا، ومالطا.
وتعود أقدم كتابة بالخط البوني إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وبقي يستخدم حتى القرن الثالث الميلادي .
الخط المؤابي
يسمى هذا الخط باسم الخط المؤابي، وذلك نسبة إلى القبائل المؤابية التي استوطنت المنطقة الواقعة شرق البحر الميت ومابين وادي الحسا ووادي الموجب في المملكة الأردنية الهاشمية، وتمكنت منذ مطلع الألف الأول قبل الميلاد من تأسيس مملكة قوية يُعد ملكها ( مِيشَع) من أبرز حكامها .
والخط المؤابي أصله مشتق من الخط الفينيقي، وذلك في حوالي القرن التاسع قبل الميلاد، وهو يتكون من اثنين وعشرين حرفاً، ويكتب من اليمين إلى اليسار، ولا أثر لكتابة الحروف المتحركة( الواو، والياء، والألف) في رسمه.
الخط العبري
تعود أقدم شواهد الخط العبري إلى حوالي القرن التاسع الميلاد، وملامحه الخطية تنبئ بما لا يدع مجالاً للشك- عن أن العبرانيين تعلموا الخط من الفينيقين سكان بلاد الشام وفلسطين بعد أن حوروا في رسم بعض أشكال حروفه.
ويتكون الخط العبري من اثنين وعشرين حرفاً ساكناً ، ويكتب من اليمين إلى اليسار.
الخط العموني
هو خط القبائل العمونية التي استوطنت المنطقة الواقعة شمالي الأردن منذ الألف الثاني قبل الميلاد، وتمكنت في حوالي القرن التاسع قبل الميلاد من تأسيس مملكة قوية ذات كيان سياسي واجتماعي وديني مستقل، وقد اتخذت من ربةعمون( عمّان حالياً) حاضرة لها.
وكتبت القبائل العمونية موروثها اللغوي بخط يتكون من اثنين وعشرين حرفاً ساكناً، كلها متفرعة عن الخط الفينيقي ومتطورة عنه.
الخط اليوناني
يقول المؤرخ اليوناني هيرودوت الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد ما نصه:" قدم الفينيقيون بزعامة شخص يدعى ( قادم) إلى بلاد اليونان.....، وجلبوا معهم علوماً وفنوناً كثيرة إلى بلاد اليونان ، من بينها الخط الذي أخذه اليونانيون عنهم ، وتعلموه منهم"، وهذه الرواية التاريخية تتفق أيضا مع نتائج الدراسات العلمية الحديثة التي أثبتت أن الخط اليوناني مشتق من الخط الفينيقي ، وذلك في حوالي القرن التاسع قبل الميلاد.
ونظراً لأن اللغة اليونانية القديمة تختلف تماماً عن لغة الخط الفينيقي السامية، فقد أدخل اليونانيون تغييرات على خطهم المنقول من الخط الفينيقي حيث أضافوا إليه حروف المدّ ( الواو ، والألف ، والياء ) وغيروا أصوات الحروف لتتناسب مع أصوات لغتهم اليونانية .
الخط اللاتيني
يعود أقدم نقش مكتوب بالخط اللاتيني إلى حوالي القرن السادس قبل الميلاد، والخط اللاتيني الذي تكتب بع شعوب أوروبا الغربية ودولها حتى اليوم متفرع من الخط اليوناني ومتطور عنه.
ويتميز الخط اللاتيني في مراحله المبكرة بأنه يكتب من اليمين إلى اليسار، أما أسلوب كتابته من اليسار إلى اليمين الذي اعتادت الشعوب الأوروبية المعاصرة الكتابة بع فتعود أقدم شواهده إلى القرن الرابع قبل الميلاد
الخط الثمودي
طوال مدة تربو على ألف ومائتي عام قبل الإسلام كتب سكان شمال الجزيرة العربية لغتهم العربية بخط اصطلح الدارسون على تسميته باسم " الخط الثمودي" وذلك نسبة لقوم ثمود الذي أشارت المصادر إلى استيطانهم في أماكن متفرقة من شمال الجزيرة العربية . ويحتوي قلم الخط الثمودي الذي تعود أقدم شواهده- المعروفة حتى الآن- إلى القرن السادس قبل الميلاد على تسعة وعشرين حرفاً، كل واحد منها يمثل صوتاً ساكناً من أصوات اللغة.
ومما يتضح من خلال رسم حروف الخط الثمودي أن فكرته الأساسية مستمدة من أبجديات نهاية النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد التي انتشرت في بلاد الشام ومصر ( الأوجاريتية، والسينائية، ...الخ )، فعلى ضوء تلك الأبجديات الهجائية تمكن سكان شمال الجزيرة العربية من ابتكار رموز مجردة ( حروف) تتناسب مع أصوات لغتهم العربية وتفي بأغراضها.
ويتركز استخدام الخط الثمودي في شمال الجزيرة العربية، كما عُثر على شواهد نقوشه مكتوبة على صفحات الجبال على امتداد الطريق التجاري القديم الذي يمتد من أقصى جنوب بلاد العرب إلى أقصى شمالها وكذلك في أنحاء متفرقة من مصر .
اعداد:
د. سعيد فايز السعيد
إن المرء وهو يدلف عبر بوابة القرن الواحد والعشرين ، حين يتأمل مسيرة الخط وتاريخ الكتابة منذ بداياتها الأولى وحتى وقتنا المعاصر يكاد يجزم بأنها بلغت شأناً عظيماً ، وأنها واكبت متغيرات الزمن، ورافقت حياة الإنسان وحركة تطوره في مجالات شؤونه المادية والمعنوية . ليس ذلك فحسب بل إن إطلالة على نشأة الكتابة وسيرة تطورها في العصور اللاحقة تتيح فرصة للتعرف على التقاء الثقافات العالمية وتأثرها بعضها البعض من خلال نهلها من معين حضاري مشترك ، كان موطنه الأصلي منطقة الشرق الأوسط ثم أنتشر منها ليضيء بنوره المشرق أرجاء المعمورة.
وعلى الرغم من أن الاهتمام بالكتابة على اعتبارها ركيزة أساسية في مسيرة التطور الحضاري للإنسانية لا يزال على أشده، فإن ثمة أسئلة تتبادر إلى الذهن من مثل : متى بدأت الكتابة ، وأين ، وكيف كانت ، وكيف أضحت ؟ .
ولا ريب في أن الإجابة على مثل هذه التساؤلات تقودنا إلى البحث في الجذور الذي يتطلب العودة إلى أعماق التاريخ ، حيث البدايات الأولى لتطور الحضارة البشرية في التاريخ الإنساني .
قبل ما يزيد على خمسة آلاف سنة خلت تبلورت في الشرق الأوسط نتائج تجارب طويلة من محاولات الإنسان الأولى للكتابة، ومن هنا واعترافاً بعظيم شأن هذا الاختراع في مسير الحضارة الإنسانية أضحى الدارسون يفرقون بين حقبتين من حقب التاريخ البشري، الأولى مرحلة ما قبل الكتابة، أو بعبارة أخرى مرحلة الحضارة الشفوية، وهي ما يطلق عليها أيضا فترة ما قبل التاريخ. والثانية هي مرحلة الكتابة، أو حضارة الكتابة، وتسمى أيضا مرحلة التاريخ .
ظهرت في بلاد ما بين النهرين فيما بين أعوام 3500-3000قبل الميلاد البدايات الأولى للكتابة، وبعد ذلك بقليل تجلت سمات واضحة للتدوين في وادي النيل، ثم ما لبث عقب ذلك أن تطورت أساليب الكتابة في بلاد الشام والجزيرة العربية، وتبلورت أسسها التي أضحت أصلا لأغلب اللغات العالمية المعروفة في حاضرنا المعاصر. وفي غضون ذلك تجري الآن مناقشات مطردة حول ما إذا كانت الكتابة بدأت في مراكز الشرق القديم الحضارية بمعزل عن بعضها بعضا، أم نشأت في مصر وبلاد الشام والجزيرة العربية بتأثير من أسلوب الكتابة في بلاد الرافدين . ومهما يكن من أمر فإن أساليب الكتابة في المراكز الحضارية آنفة الذكر إن هي استفادت من تجربة الكتابة في بلاد الرافدين فإنها - تمتلك مقومات مميزة وتجعلها سباقة إلى الإبداع وتطوير أسلوب الكتابة والسير بها إلى الإختزال والسهولة التي كانت تفرضها متطلبات تلك الأزمة السحيقة.
وهكذا فإن نشأة الكتابة وابتكار رموزها لم تكن وليدة لحظة محدودة ، بل سبق إلى ذلك تجارب وتمارين عديدة أملتها ظروف الحياة ومتطلباتها آنذاك ، وسعياً من الإنسان في سبيل إيجاد وسيلة تعينه على تنظيم حياته اليومية وتعاملاته الاقتصادية المتزايدة، فإنه لم يجد بداً من ابتكار تلك الوسيلة، فكان أن تفتق ذهنه عن فكرة ذكية تمثلت باستخدام رموز صورية عديدة يدل رسمها على أسياء محدودة ومعلومة في لغاتهم ويستطيع من أوتى إلى ذلك سبيلان قراءتها والعودة إليها حينما يشاء وعلى هدي الاكتشافات الأثرية في المستوطنات الحضارية في بلاد الرافدين وبلاد الشام والنيل والجزيرة العربية يتضح أن الكتابة مرت بمرحلتين أساسيتين:
مرحلة ما قبل الكتابة.
مرحلة الأبجدية :
مرحلة ما قبل الكتابة:
هي مرحلة البدايات الأولى للكتابة، ومن أهم خصائص الكتابة خلال هذه المرحلة أنها كتابة بدأت تصويرية، أي تصوير الأشياء المادية لتدل على المعاني المعنوية، وفي فترة لاحقة من تاريخ هذا النوع من الكتابة جردت الرموز الكتابية من السمة التصويرية وأصبحت كتابة رمزية، ذات أصوات مقطعية . ويمثل مرحلة ما قبل الأبجدية
الخط المسماري
في الجزء الجنوبي من بلاد الرافدين ، وتحديداً في مدينة أوروك ، أخترع السومريون في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد نظاماً للكتابة يعتمد في الأساس على الصورة ، أي تصوير الأشياء المادية لتدل على المعاني المعنوية، كأن يرسم الكاتب قرص الخبز للدلالة عليه، أو قرص الخبز وأمامه فم إنسان للدلالة على الأكل ، أو سنبلة القمح للدلالة على القمح والشعير .
وفي حوالي 2700-2800 قبل الميلاد حدث تطور على نظام الكتابة المسمارية فقدت على إثره الرموز سمتها التصويرية إلى سمة تجريدية، فلم تعد الصورة الواقعية هي الأساس في نقل المعاني وتوارثها بل ابتعدت عن شكلها التصويري إلى شكل رمزي مجرد من واقع الأشياء المراد كتابتها، وفي هذه الأثناء أيضا أصبحت الرموز المجردة تدل على أصوات محددة في اللغة السومرية ، وذات سمة مقطعية، أي أن يشترك في الرمز الواحد أكثر من صوت . وهذه المساعي الحثيثة لتطوير أسلوب الكتابة أتاحت في حوالي عام 2000قبل الميلاد اختزال الرموز المعبرة عن أصوات اللغة إلى حوالي 500 رمز، بعد أن كانت قبل ذلك تزيد على ألفي رمز تصويري . ونتيجة لاستخدام السومريون أسافين( مسامير) ذات رؤوس حادة لرسم رموز خطهم على ألواح من الطين الرطب، فقد اتخذت شكلاً يشابه المسامير، وهذا هو السبب في تسميته باسم الخط المسماري .
لم يقتصر استخدام الخط المسماري على السومريين وحدهم، ولكنه سرعان ما انتشر أداةً للتعبير عن لغات متعددة في أرجاء متفرقة من الشرق القديم ، فقد كتب به اللغة الأكدية بفرعيها البابلي والآشوري، كما كُتبت به اللغة الإبلاوية، والعيلامية والحثية.
وعلى الرغم من تلاشي الخط المسماري خلال النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد ، إلا أنه ظل يستخدم على نطاق ضيق في جنوب بلاد الرافدين حتى القرن الأول الميلادي .
الخط الهيروغليفي
تمكن سكان وادي النيل(مصر) في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد( 3100ق.م) من اختراع أسلوب آخر للكتابة يسمى الخط الهيروغليفي ، وهي كلمة يونانية أطلقها الإغريق سنة 300 قبل الميلاد على الكتابة المصرية، وتتكون من مقطعين الأول ( هيرو) ويفيد معنى "مقدس" ، والثاني (غليف) ويعني" حفر ونقش"، وعليه فالكلمة بمقطعيها تعني "النقش المقدس".
والخط الهيروغليفي مثله مثل الخط المسماري منقول عن البيئة، فهو يعتمد على تصوير الأشياء المادية لتعبر عن المعاني، فصورة الإنسان تعبر عن الأنسان، والحيوان عن الحيوان، وموجة الماء تعبر عن الماء نفسه. وتحتوي الكتابة الهيروغليفية على رموز تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
مخصص المعنى: وهو علامة تصويرية تضاف في آخر الكلمة ولا تنطق، والغرض من رسمها تحديد المعنى، كأن يرسم قرص الشمس في نهاية الكلمات المتعلقة بالشروق ، والظل، واليوم،...الخ ، لتقريب المعنى وتحديده.
<LI dir=rtl>
رمز المعنى: ويعني الأشياء المصورة نفسها، أو شيئاً آخر متعلقاً بها، كأن يرسم الكاتب قرص الشمس ، فإن كان المقصود به الشيء المصور نفسه ، أصبح يفيد معنى الشمس"، وإن قصد به شيء متعلق به، أصبح يعني " اليوم، أو النهار" . وتُميز رموز المعاني برسم خط عمودي أسفلها أو جانبها، وذلك للتفريق بينها وبين رموز الأصوات.
<LI dir=rtl>
رمز الصوت: وهي علامة تصويرية، أو رموز هجائية يقصد منها أصواتها لا معانيها .
مرحلة الأبجدية
إن طريقة الكتابة التصويرية والمقطعية المتمثلة في الخط المسماري والهيروغليفي التي تتطلب الكتابة بهما إتقان مئات من الرموز لم تكن تواكب متطلبات العصور اللاحقة، لذلك لجأ الإنسان في مناطق متفرقة من الشرق الأوسط مستنيراً بتجارب طويلة إلى اختراع كتابة هجائية( ألفبائية) مختزلة يُمثل فيها كل رمز(حرف) صوتاً محدداً وقائماً بذاته. ويتمثل هذا النوع من الكتابة في الخطوط السامية الشمالية والجنوبية وفروعهما المختلفة، وكذا في الكتابة اليونانية واللاتينية وما تفرع منهما، وهي على النحو التالي :
الأبجدية الأوجاريتية
سميت الأبجدية الأوجاريتية نسبة إلى موطن اكتشافها في مدينة أوجاريت( رأس شمرة حالياً) في شمال سوريا، فقد تمكن سكان هذه المدينة في حوالي القرن الخامس عشر قبل الميلاد من اختراع نظام جديد للكتابة، يمثل أبجدية هجائية، أي أن يكون لكل صوت من أصوات اللغة رمز واحد فقط. وعلى هذا النحو استعار الأوجاريتيون رموز الخط المسماري، واستطاعوا أن يكتبوا لغتهم بثلاثين حرفاً أبجدياً ، يؤدي فيها كل حرف صوتاً محدداً من أصوات لغتهم.
الأبجدية السينائية
في حوالي القرن الرابع عشر قبل الميلاد تمكن مجموعة من الكنعانيين العاملين في مناجم الفيروز والنحاس في صحراء سيناء من ابتكار هجائية جديدية تعتمد على رموز(حروف) أغلبها مشتقة من الخط الهيروغليفي ( المصري القديم) ، حيث أضحى كل رمز من رموزها يؤدي صوتاً معيناً فصوت الألف له رمز خاص به، والباء له رمز قائم بذاته، وهكذا مع بقية الحروف حتى اكتملت أصوات لغتهم .
الخط الفينيقي
يتألف الخط الفينيقي من اثنين وعشرين حرفاً ساكناً، ويعود تاريخ أقدم شواهده إلى القرن العاشر قبل الميلاد. وقد انتشر في مستوطنات الشعب الفينيقي في لبنان وأجزاء من سوريا وفلسطين.
وتتميز الكتابة الفينيقية بأنها تكتب من اليمين إلى اليسار ، وتطرح حروف المد ( الواو، والياء،والألف ) من رسم كتابتها، كما يفصل بين كلمات نصوصها المبكرة بخط عمودي ، أو نقطتين مترادفتين.
الخط البوني
وهو فرع متطور من الخط الفينيقي، انتشر استخدامه في المستوطنات الفينيقية في شمال أفريقيا، وعثر على شواهد من نقوشه في تونس، وإسبانيا، وإيطاليا، ومالطا.
وتعود أقدم كتابة بالخط البوني إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وبقي يستخدم حتى القرن الثالث الميلادي .
الخط المؤابي
يسمى هذا الخط باسم الخط المؤابي، وذلك نسبة إلى القبائل المؤابية التي استوطنت المنطقة الواقعة شرق البحر الميت ومابين وادي الحسا ووادي الموجب في المملكة الأردنية الهاشمية، وتمكنت منذ مطلع الألف الأول قبل الميلاد من تأسيس مملكة قوية يُعد ملكها ( مِيشَع) من أبرز حكامها .
والخط المؤابي أصله مشتق من الخط الفينيقي، وذلك في حوالي القرن التاسع قبل الميلاد، وهو يتكون من اثنين وعشرين حرفاً، ويكتب من اليمين إلى اليسار، ولا أثر لكتابة الحروف المتحركة( الواو، والياء، والألف) في رسمه.
الخط العبري
تعود أقدم شواهد الخط العبري إلى حوالي القرن التاسع الميلاد، وملامحه الخطية تنبئ بما لا يدع مجالاً للشك- عن أن العبرانيين تعلموا الخط من الفينيقين سكان بلاد الشام وفلسطين بعد أن حوروا في رسم بعض أشكال حروفه.
ويتكون الخط العبري من اثنين وعشرين حرفاً ساكناً ، ويكتب من اليمين إلى اليسار.
الخط العموني
هو خط القبائل العمونية التي استوطنت المنطقة الواقعة شمالي الأردن منذ الألف الثاني قبل الميلاد، وتمكنت في حوالي القرن التاسع قبل الميلاد من تأسيس مملكة قوية ذات كيان سياسي واجتماعي وديني مستقل، وقد اتخذت من ربةعمون( عمّان حالياً) حاضرة لها.
وكتبت القبائل العمونية موروثها اللغوي بخط يتكون من اثنين وعشرين حرفاً ساكناً، كلها متفرعة عن الخط الفينيقي ومتطورة عنه.
الخط اليوناني
يقول المؤرخ اليوناني هيرودوت الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد ما نصه:" قدم الفينيقيون بزعامة شخص يدعى ( قادم) إلى بلاد اليونان.....، وجلبوا معهم علوماً وفنوناً كثيرة إلى بلاد اليونان ، من بينها الخط الذي أخذه اليونانيون عنهم ، وتعلموه منهم"، وهذه الرواية التاريخية تتفق أيضا مع نتائج الدراسات العلمية الحديثة التي أثبتت أن الخط اليوناني مشتق من الخط الفينيقي ، وذلك في حوالي القرن التاسع قبل الميلاد.
ونظراً لأن اللغة اليونانية القديمة تختلف تماماً عن لغة الخط الفينيقي السامية، فقد أدخل اليونانيون تغييرات على خطهم المنقول من الخط الفينيقي حيث أضافوا إليه حروف المدّ ( الواو ، والألف ، والياء ) وغيروا أصوات الحروف لتتناسب مع أصوات لغتهم اليونانية .
الخط اللاتيني
يعود أقدم نقش مكتوب بالخط اللاتيني إلى حوالي القرن السادس قبل الميلاد، والخط اللاتيني الذي تكتب بع شعوب أوروبا الغربية ودولها حتى اليوم متفرع من الخط اليوناني ومتطور عنه.
ويتميز الخط اللاتيني في مراحله المبكرة بأنه يكتب من اليمين إلى اليسار، أما أسلوب كتابته من اليسار إلى اليمين الذي اعتادت الشعوب الأوروبية المعاصرة الكتابة بع فتعود أقدم شواهده إلى القرن الرابع قبل الميلاد
الخط الثمودي
طوال مدة تربو على ألف ومائتي عام قبل الإسلام كتب سكان شمال الجزيرة العربية لغتهم العربية بخط اصطلح الدارسون على تسميته باسم " الخط الثمودي" وذلك نسبة لقوم ثمود الذي أشارت المصادر إلى استيطانهم في أماكن متفرقة من شمال الجزيرة العربية . ويحتوي قلم الخط الثمودي الذي تعود أقدم شواهده- المعروفة حتى الآن- إلى القرن السادس قبل الميلاد على تسعة وعشرين حرفاً، كل واحد منها يمثل صوتاً ساكناً من أصوات اللغة.
ومما يتضح من خلال رسم حروف الخط الثمودي أن فكرته الأساسية مستمدة من أبجديات نهاية النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد التي انتشرت في بلاد الشام ومصر ( الأوجاريتية، والسينائية، ...الخ )، فعلى ضوء تلك الأبجديات الهجائية تمكن سكان شمال الجزيرة العربية من ابتكار رموز مجردة ( حروف) تتناسب مع أصوات لغتهم العربية وتفي بأغراضها.
ويتركز استخدام الخط الثمودي في شمال الجزيرة العربية، كما عُثر على شواهد نقوشه مكتوبة على صفحات الجبال على امتداد الطريق التجاري القديم الذي يمتد من أقصى جنوب بلاد العرب إلى أقصى شمالها وكذلك في أنحاء متفرقة من مصر .
اعداد:
د. سعيد فايز السعيد
أ. عبدالله محمد المنيف
تقديم
جومانة
jomana- المساهمات : 209
تاريخ التسجيل : 26/07/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين أغسطس 05, 2013 9:37 am من طرف samialsaady
» هوائي مزدوج للاتصال عبر الاقمار الصناعية
الخميس فبراير 16, 2012 3:08 pm من طرف yi1rz
» تسجيل فديوي لاتصالي مع محطة بريطانية
الخميس فبراير 16, 2012 4:57 am من طرف yi1rz
» كيف تصنع مرسلة لاشارات مورس للهواة
الخميس فبراير 16, 2012 3:53 am من طرف yi1rz
» The 10-ele Yagi Antenna for WiFi Network
الخميس فبراير 16, 2012 3:05 am من طرف yi1rz
» معجزة في الفراغ/ثورة الطاقة الجديدة
الأربعاء يناير 25, 2012 10:31 am من طرف بهجت عارف
» برنامج القبة السماوية Stellarium
الإثنين ديسمبر 12, 2011 10:59 pm من طرف الفلكي السيد مصطفى الغربا
» الثقوب السوداء واسرارها
الإثنين ديسمبر 12, 2011 10:44 pm من طرف الفلكي السيد مصطفى الغربا
» ادخل واختار البرنامج الي يعجبك بدون تعب بس يرادلك نت ونصب البرنامج الي تريده
الجمعة أكتوبر 21, 2011 11:03 pm من طرف alhasheme2002
» شرح بالصور لكيفية تحويل الـ Pdf إلى وورد من دون برامج
الجمعة أكتوبر 21, 2011 10:55 pm من طرف alhasheme2002
» أفضل الحكم واللأقوال لمشاهير وعلماء العالم
الجمعة أكتوبر 21, 2011 4:14 am من طرف معمار التعماني
» تعدد الزوجات بحساب أهل الرياضيات
الجمعة أكتوبر 21, 2011 4:07 am من طرف معمار التعماني
» اللغز الذي حير العلماء (( الرقم 7 ))
الجمعة أكتوبر 21, 2011 3:58 am من طرف معمار التعماني
» رمضان مبارك
الجمعة أغسطس 12, 2011 9:06 pm من طرف alfaisalll
» الفرق بين ولادة الهلال وظهوره علمياً
الإثنين أغسطس 30, 2010 9:37 pm من طرف samialsaady